“قطاع المعادن في السعودية نفط آخر غير مستغل، ومخطط له أن يمثل الركيزة الثالثة للصناعة السعودية إلى جانب النفط والغاز والبتروكيماويات”.. حديث سابق لولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان قبل سنوات، كان مفتاحا ليكون قطاع التعدين جزءاً رئيسياً من برامج رؤية السعودية 2030.
ولأن المملكة تزخر بمقدرات معدنية ثمينة كالذهب والألومنيوم والفوسفات والنحاس واليورانيوم وغيرها، فكان لزاماً العمل على تطوير هذا القطاع، فقد تم إطلاق ثلاث مبادرات استراتيجية كبداية لتطوير القطاع، والتي تتطلب العمل على مسوحات جيولوجية للمملكة، وتحديد فرص الاستثمار في هذا القطاع، بالإضافة إلى دراسة الحوافز الممكنة لتنميته.
ورحلة استكشاف واستغلال الثروات المعدنية في المملكة بدأت منذ عام 1997م، حيث طورت وزارة البترول والثروة المعدنية آنذاك، استراتيجية لتطوير قطاع التعدين، وتواصلت الجهود وصولاً إلى النقلة النوعية في القطاع التعديني بعد إطلاق رؤية السعودية 2030. وفق “أخبار 24”.
وتقدر حجم الثروات المعدنية التي اكتشفت عام 2024 بـ 9.4 تريليون ريال، وقيمة الاستثمارات بنهاية شهر يناير 2025 أكثر من 1.5 تريليون ريال، وتعتبر منطقة الدرع العربي التي تبلغ مساحتها 60 ألف كم مصدراً رئيسياً للمعادن الثمينة، وتم تحديد أكثر من 48 نوعاً من المعادن في المملكة حتى الآن بما لا يقل عن 15 معدناً صالحاً تجارياً.
تطوير نظام الاستثمار التعديني
تم تطوير نظام الاستثمار التعديني، لتنظيم القطاع وتحفيزه وتعزيز الاستثمار الأجنبي من خلال تخفيض نسبة الضريبة من 45% إلى 20%، وبالتالي أصبحت المملكة من بين أكثر مناطق التعدين تنافسية على مستوى العالم، ولم تكن هناك أي تغييرات على النظام المالي بعد تطبيق النظام، لكن النظام ركز بشكل كبير على حماية المستثمرين بما يتناسب مع المعايير الدولية.
وتعتبر شركة التعدين العربية السعودية “معادن” التي تأسست في عام 1997 إحدى أسرع شركات التعدين نمواً في العالم، وأكبر شركة تعدين متعددة السلع في الشرق الأوسط. وقد احتلت معادن مركزاً مرموقاً ضمن أكبر 10 شركات تعدين عالمية وفقاً لقيمتها السوقية.
وفي عام 2020 وافق مجلس الوزراء على تأسيس “الشركة السعودية لخدمات التعدين (إسناد)” وهي شركة مساهمة تملكها الدولة وتعد إحدى مبادرات استراتيجية قطاع التعدين، وتهدف لقيادة التحول في قطاع التعدين من خلال تقديم خدمات تعزز البيئة الاستثمارية والدفع نحو الاستخدام المستدام والأمثل للموارد المعدنية.
فرص استثمارية
أعلنت المملكة فرصًا استثمارية ضخمة في القطاع تصل إلى 375 مليار ريال حتى عام 2035، مع استثمارات قيد التنفيذ حاليًا بقيمة 75 مليار ريال، وقفز عدد الشركات من 6 في عام 2020 إلى 133 شركة في عام 2023، بزيادة بلغت 22 ضعفًا خلال 3 سنوات، كما بلغ إجمالي الإنفاق على الاستكشاف 1.33 مليار ريال، وسجلت المملكة نموًا سنويًا في الإنفاق على الاستكشاف بنسبة 32%، متجاوزًا المتوسط العالمي البالغ 6-8%.
ونما عدد المناجم التعدينية من 169 منجماً في عام 2021 إلى 215 منجما في عام 2024، والتراخيص التعدينية من 224 رخصة قبل صدور نظام الاستثمار التعديني إلى 2401 رخصة في 2024.
وتضم منطقة حزام جبل صائد منجم مهد الذهب، والذي يعد أقدم منجم بالمملكة، ويحتوي على خامات من الذهب والفضة والنحاس، هذا إلى جانب منجم “جبل صائد”، والذي يعد أكبر منجم منتج لخام النحاس في المملكة، كما أن موقع الحجار والذي يضم منجم “الحجار” للذهب والنحاس يعد حاليًا منجمًا غير نشط، ويبلغ إنتاجه نحو 40 ألف أوقية من الذهب سنويًا.
وفي ديسمبر 2023 أعلنت “معادن”، اكتشاف محتمل لإمكانات كبيرة من موارد الذهب تمتد على طول 100 كيلومتر جنوب منجم منصورة ومسرة للذهب.
واليوم المملكة هي الدولة الأسرع نمواً في البيئة الاستثمارية لقطاع التعدين، والثانية في منح التراخيص التعدينية عالمياً، وضمن أفضل دول التعدين عاليما في الأطر التشريعية واللوائح التنظيمية.
الحدود الشمالية فرص تعدينية
تعد منطقة الحدود الشمالية في المملكة، موطنًا رئيسيًا لمعدن الفوسفات، الذي يشكّل عنصرًا مهمًا في تحقيق الأمن الغذائي المحلي والعالمي، حيث يدخل في صناعة الأسمدة الزراعية، وتضع مشروعات إنتاج الفوسفات بمدينة وعد الشمال، المملكة في مصاف أكبر الدول المُـنتجة والمُصدِّرة للفوسفات حول العالم.
تمتلك المنطقة موارد تعدينية ضخمة، تزيد قيمتها على 4.6 تريليون ريال
وتمتلك المنطقة موارد تعدينية ضخمة، تزيد قيمتها على 4.6 تريليون ريال، وهي جزء من ثروة معدنية كامنة في أراضي المملكة، تسعى لاستكشافها واستغلالها، وتضم المنطقة 5 مواقع لاحتياطي خام الفوسفات و29 رخصة تعدينية سارية، تشمل 15 رخصة لمشاريع محاجر مواد البناء و14 رخصة استغلال.
وذكر وزير الصناعة والثروة المعدنية، بندر الخريف، خلال حفل تدشين مشروع الفوسفات 3 وعدد من المشروعات التنموية في مدينة وعد الشمال في فبراير الماضي، أن الاستثمارات الصناعية والتعدينية في مشاريع الفوسفات بمدينة وعد الشمال تجاوزت 80 مليار ريال، مع خطط لضخ 50 مليار ريال إضافية في مشاريع الفوسفات المستقبلية.
وتشير أحدث الأرقام الصادرة عن منصة “تعدين”، إلى إصدار 2380 رخصة تعدينية، و608 رخص استكشاف، و2873 مصنعا تعدينيا، بقيمة استثمارات 89 مليار ريال، لـ10 أنواع معادن استراتيجية.
وفي يناير 2025 أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف، خلال مؤتمر التعدين الدولي، أن العالم بحاجة إلى استثمار 6 تريليونات دولار في قطاع المعادن خلال العقد المقبل لتلبية الطلب.
مؤتمر التعدين الدولي
تعمل المملكة على الربط بين المستثمرين وأصحاب الفرص من مختلف أنحاء العالم، حيث اجتمعت في يناير الماضي وفود دولية من من 89 دولة، للمشاركة في مؤتمر التعدين الدولي في الرياض، والذي يمثل منصة لتوفير فرص متميّزة لتبادل الخبرات، ومناقشة التحديات التي تواجه قطاع التعدين؛ لتعزيز التعاون، ودعم استدامة القطاع لتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وخلال نفس المؤتمر قال الرئيس التنفيذي لهيئة المساحة الجيولوجية عبدالله الشمراني، إن عملية جمع المعلومات الجيوفزيائية والجيوكيميائية عن “الدرع العربي”، الذي يمثل ثلث مساحة المملكة، أسفرت عن تحليل ونشر معطيات مهمة عن نحو 57 معدناً، مبينًا أن المملكة تشهد أكبر وأضخم عملية مسح جيولوجي في العالم باستعمال أحدث التقنيات، لتسهيل حصول المستثمرين على معلومات واضحة وموثوقة حول المعادن الحرجة، حيث يستمر العمل على دراسات لتحديد كمياتها، على رأسها الذهب والزنك والنحاس والكوبالت الضرورية لتحقيق التحول الطاقي.
وشهد مؤتمر التعدين الدولي بنسخته الرابعة في الرياض في يناير الماضي توقيع 126 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 107 مليارات ريال، لتمكين الاستكشاف، والتعدين، والتمويل، والبحث والتطوير، والاستدامة، وسلاسل القيمة المضافة، والصناعات المعدنية. كما تم إعلان 4 مشاريع استراتيجية منها إطلاق مشروع مشترك بين شركتي أرامكو ومعادن لاستكشاف المعادن الحرجة اللازمة لتحول الطاقة.
يذكر أن الجهود الحكومية في المملكة تتكاتف لدعم منظومة التعدين، وتعزيز الاستكشاف التعديني، ورفع معدلات الاستثمار في القطاع، وتطوير القطاع من خلال جذب وتمكين الشركات العالمية والمحلية المتخصصة.