اليوم نودّع صرحاً تربوياً عريقاً، إدارة تعليم الخرج، بعد مسيرة امتدت لثمانية وستين عاماً من العطاء والبناء. صرحٌ ساهم في صناعة أجيالٍ، وتخريج قادةٍ ومعلمين مخلصين، وبناء مجتمع علميّ متماسك ترك بصمته في كل بيت من بيوت المحافظة.
أقف اليوم أمام هذه اللحظة التاريخية، وأستعيد مشواري الطويل بين أروقة هذه الإدارة، التي كانت بيتي الثاني طوال حياتي العملية. كنت في بداياتي طالباً على مقاعد الدراسة، أتشرب من معلميّ قيم العلم والانضباط، وأحلم أن أكون يوماً جزءاً من هذا الكيان العظيم. وبعد سنوات، حقق الله حلمي، فدخلت الميدان التربوي معلماً أحمل الرسالة وأغرس القيم والمعرفة في عقول طلابي.
ثم شاءت الأقدار أن أخوض تجارب أوسع، فكنت وكيلاً لمدرسة، ثم مديراً لها، أعمل مع زملائي لصناعة بيئة تعليمية محفزة، ومتابعة مسيرة طلابنا نحو النجاح. ومع مرور الوقت، انتقلت إلى ساحة العمل الإشرافي، حيث خدمت كـ مشرف تربوي، ثم تشرّفت بأن أكون رئيساً لأحد أقسام الإدارة، أساهم مع زملائي في دعم المعلمين، وتطوير المناهج، ورفع كفاءة التعليم في المحافظة.
إن إدارة تعليم الخرج لم تكن مجرد مبنى أو إدارة، بل كانت حياة كاملة، ذكرياتٌ ومواقف، وجسورٌ من المحبة والأخوة بين العاملين فيها. تعلّمنا فيها أن التربية رسالة، وأن التعليم أمانة، وأن بناء الإنسان أعظم استثمار يمكن أن تقدمه للأمة.
اليوم، ونحن نودّع هذا الكيان بعد رحلة طويلة من الإنجازات، لا يسعني إلا أن أرفع الشكر والعرفان لكل من عمل فيها، ولكل قائد ومعلم وموظف ترك بصمته في مسيرة التعليم بمحافظتنا الغالية.
قد تغلق الأبواب، لكن أثر هذه الإدارة سيبقى خالدًا في عقول وقلوب من تعلموا وعملوا تحت لوائها، وسيظل إرثها ممتداً في الأجيال التي ساهمت في بنائها.
وداعاً إدارة تعليم الخرج… وشكراً على 68 عاماً من الوفاء والعطاء.
د.عيسى الدوسري