أكد وزير الاستثمار خالد الفالح خلال كلمته في المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية “يونيدو” بالرياض اليوم (الاثنين)، أن الاقتصاد العالمي يمرّ بمرحلة محورية تتغير فيها أنماط التجارة والاستثمار بسرعة لافتة، مدفوعة بالتطور التكنولوجي والتحولات الصناعية وأهداف الاستدامة.
وأوضح أن دول العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط، تواجه تغيُّرات جذرية في سلاسل الإمداد العالمية، إذ لم تَعُدْ الصناعات تتركز في مواقع محدودة، بعدما كانت الصين تشكل مركز الثقل الصناعي، مشيرًا إلى أن سلاسل التوريد تعيد تشكيل نفسها على شكل عناقيد إقليمية مترابطة، وهو نمط بات واضحاً في أوروبا وأمريكا الشمالية، كما استفادت منه دول في الجنوب العالمي مثل آسيان والهند وجنوب آسيا.
وأضاف أن هذا التحول بدأ يتشكل أيضاً في الشرق الأوسط، بقيادة المملكة ودول مجلس التعاون، بعد سنوات كان يُنظر فيها للمنطقة فقط كمصدر للطاقة أو لرؤوس الأموال، بينما كانت تُستبعد عن التصنيع المتقدم. وبيّن أن هذا التصور تغيّر سريعاً، وأن المنطقة أصبحت وجهة استثمارية نشطة تشهد تدفقاً للمشروعات الصناعية والتكنولوجية.
وأشار إلى أن المنطقة تضم 50% من الاحتياطيات العالمية للنفط، و40% من احتياطيات الغاز المؤكدة، إضافة إلى احتياطيات ضخمة من المعادن الحيوية، من بينها 79% من احتياطيات الكوبالت، و44% من المنغنيز، و21% من الجرافايت، و25% من النحاس، فضلاً عن معادن حرجة أخرى. وفق “أخبار 24”.
وفي المقابل، أشار إلى أن مساهمة المنطقة في التجارة العالمية لا تزال عند 5% فقط، وفي الناتج المحلي العالمي 4%، بينما لا يتجاوز نصيبها من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 3%، ما يؤكد أن المنطقة “أقل من وزنها الحقيقي” اقتصادياً.
وأكد أن المملكة، في إطار رؤية 2030، تقود تحولاً اقتصادياً شاملاً يقوم على بناء اقتصاد متنوع وقادر على المنافسة العالمية، مستشهداً بتأكيد ولي العهد بأن رؤية 2030 ليست فقط لتطوير السعودية، بل لقيادة نهضة صناعية ومعرفية جديدة في الشرق الأوسط تعادل النهضة الأوروبية تاريخياً.
وقال إن ثلثَيْ سكان المملكة تحت سن 35 عاماً، وهم متعلمون ومهتمون بالتقنية، ويتمتعون بطاقة ريادية تمثل ركيزة أساسية لبناء اقتصاد المستقبل.
برنامج المقرات الإقليمية جذب 680 شركة عالمية
وأوضح الفالح أن المملكة ودول الخليج تضخ استثمارات ضخمة في شبكات اللوجستيات والموانئ والمطارات والطاقة النظيفة، بما يشمل الهيدروجين الأخضر والأزرق، إلى جانب تطوير مناطق اقتصادية خاصة ومبادرات تهدف لتعزيز مرونة سلاسل التوريد ودعم التصنيع المتقدم.
وأشار إلى أن المملكة تعمل لتكون مركزاً عالمياً للطاقة النظيفة عبر استثمارات كبيرة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب خطط لبدء تصدير الكهرباء عبر كابلات تمتد إلى أوروبا وجنوب آسيا والشرق الأوسط.
أما في مجال التقنية والذكاء الاصطناعي، فأوضح أن المملكة تستهدف دخول قائمة الدول المتقدمة في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030، حيث تحتل حالياً المرتبة الثانية ضمن دول مجموعة العشرين في مؤشر تطور الاتصالات الرقمية.
وفي جانب ريادة الأعمال، كشف الفالح أن المملكة سجلت أرقاماً قياسية في نشاط رأس المال الجريء بارتفاع 158%، بينما بلغت الاستثمارات 1.3 مليار دولار خلال الأشهر التسعة الأولى من العام، إضافة إلى تسجيل 2500 رائد أعمال في مجالات التقنية العميقة.
وأضاف أن الصناعات الثقافية والسياحة والتراث تشكل “محركات جديدة للنمو” في المملكة، مدعومة بمشاريع كبرى مثل البحر الأحمر والدرعية والعلا، التي تسهم في خلق وظائف نوعية وبناء هوية اقتصادية جديدة للمنطقة.
وأوضح أن برنامج المقرات الإقليمية جذب 680 شركة عالمية إلى الرياض للاستثمار في المملكة والمنطقة الأوسع.
وعن دور الاستثمار، قال الفالح إن قوة المملكة المالية، التي تصل أصول صناديقها وصافي أصولها الخارجية إلى 1.5 تريليون دولار، تجعلها قوة استثمارية عالمية، مشيراً إلى أن الناتج المحلي للمملكة تضاعف منذ إطلاق رؤية 2030، وأن مساهمة الأنشطة غير النفطية ارتفعت إلى 56%.
وأضاف أن الشركات السعودية الكبرى باتت تستثمر عالمياً في مجالات الطاقة والمياه والبتروكيماويات، مؤكداً أن الاستثمار أصبح “طريقاً ذا اتجاهين” بين المملكة والعالم.
وفي ختام كلمته، شدد الفالح على أن التقدم الذي تحققه المملكة لا يتم بمعزل عن الشراكات الدولية، مؤكداً أن “يونيدو” شريك أساسي في دعم السياسات الصناعية وتطوير القدرات والمؤسسات الصناعية، ومشيراً إلى أن أفضل طريق لبناء المستقبل هو الاستثمار المشترك والعمل الجماعي مع الشركاء حول العالم.
