بصفتك رئيسًا لشركة شنايدر إلكتريك في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، كيف ترى الأهمية الاستراتيجية للسوق السعودي بالنسبة للشركة؟
السوق السعودي يُعد اليوم واحدًا من أهم الوجهات لمعظم الشركات العالمية، خاصة في ظل النمو الهائل الذي يشهده الاقتصاد المحلي ومختلف قطاعات الأعمال، وتوجه المملكة نحو بناء اقتصاد معرفي ومستدام، يعتمد على التكنولوجيا الحديثة، ويستند إلى تنويع مصادر الدخل وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد الوطني. وتعتبر الشركات العالمية اليوم من أبرز الداعمين لتوجهات المملكة نحو تنويع الاقتصاد الخاص بها، وعلى رأس تلك الشركات شنايدر إلكتريك التي تلعب دورًا محوريًا في دعم رؤية المملكة 2030، لا سيما في مجال التحول الرقمي وتحقيق الاستدامة.
لقد رسخنا وجودنا في المملكة منذ 44 عامًا، استطعنا خلالها بناء شبكة واسعة من العملاء والشركاء من القطاعين العام والخاص، بلغ عددهم نحو 8,000 عميل. وخلال السنوات الخمس الماضية وحدها استثمرنا نحو 50 مليون يورو، شملت تأسيس مقر الشركة الإقليمي في مدينة الرياض، إلى جانب إنشاء مصنعنا الجديد في مدينة الملك سلمان للطاقة “سبارك”، المقام على مساحة 20 ألف متر مربع، والمقرر افتتاحه قبل نهاية هذا العام، وتوسيع نطاق عملياتنا في المملكة، مما يدعم جهود توطين الصناعة تماشيا مع توجه المملكة. كما ندير مصنعين في الرياض والدمام ومركز توزيع متطور في الرياض بمساحة 7,000 متر مربع، وهو ما يعزز قدراتنا التشغيلية لدعم المملكة في رحلتها الطموحة.
ما هي أهم التوجهات التي يشهدها السوق السعودي فيما يتعلق بالتحول الرقمي والاستدامة؟
هناك تحول جذري في المملكة نحو الرقمنة والاستدامة باعتبارهما ركيزتين أساسيتين في رؤية 2030. نشهد استثمارات ضخمة في البنية التحتية الرقمية، الذكاء الاصطناعي، إنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، إلى جانب مبادرات وطنية مثل إطلاق الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)، وهيئة الحكومة الرقمية. وفق “أخبار 24”.
من الناحية البيئية، أطلقت المملكة مبادرات كبرى مثل مبادرة السعودية الخضراء التي تستهدف خفض الانبعاثات بـ278 مليون طن سنويًا بحلول 2030، والوصول إلى الحياد الصفري بحلول 2060. الأرقام تؤكد حجم هذا التوجه؛ فقد بلغ حجم الاقتصاد الرقمي السعودي حوالي 495 مليار ريال (132 مليار دولار) عام 2024، ما يمثل 15% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس مكانة المملكة كأكبر سوق لتقنية المعلومات والاتصالات في الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار تلعب شنايدر إلكتريك دورًا رئيسيًا في دعم هذه التوجهات، من خلال تقديم حلول وتقنيات ذكية تُمكّن المؤسسات من تحسين كفاءة التشغيل، خفض استهلاك الطاقة، وتعزيز الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. والأمر لا يقتصر على ذلك فحسب، بل تُوفر الشركة أيضًا مجموعة متكاملة من حلول الأتمتة والرقمنة التي تساهم في تحقيق التحول الرقمي بشكل مستدام. وبالإضافة إلى ذلك تستثمر شنايدر إلكتريك في توطين المعرفة والتقنيات، من خلال منشآتها المحلية وبرامجها التدريبية، بما يعزز من قدرات السوق السعودي في مواجهة تحديات المستقبل.
ما هو دور شنايدر إلكتريك في دعم وتعزيز تلك التوجهات؟
منذ اللحظة الأولى كانت شنايدر إلكتريك أكبر الداعمين لتوجه السعودية نحو التحول الرقمي وذلك بصفتها شركة عالمية رائدة في مجال التحول الرقمي لإدارة الطاقة والأتمتة، حيث نستهدف من خلال حلولنا التكنولوجية دعم جهود المملكة لتعظيم الاستفادة من الموارد مع خفض الأثر البيئي وتحسين الكفاءة التشغيلية. ونقوم بتقديم حلول متطورة ترفع من كفاءة الطاقة وتدعم التحول الرقمي في قطاعات متعددة، مثل المباني، والمصانع، والتنقل الكهربائي، ومراكز البيانات، والبنية التحتية، والمياه، والطاقة المتجددة، وغيرها.
نحن نركز أيضًا على تمكين الكفاءات الوطنية؛ إذ نوظف سنويًا بين 30 و50 مهندسًا سعوديًا حديثي التخرج، منهم نحو 60% من النساء، وهو ما يعكس التزامنا بدعم تنمية رأس المال البشري، والاستثمار في الأصول مثل المصنعين الذين تمتلكهما الشركة في الرياض والدمام بالإضافة إلى مركز توزيع وفقًا لأعلى المعايير.
وفي إطار دعم الطاقة المتجددة، تشارك شنايدر إلكتريك في مشاريع استراتيجية، منها محطة “الرس 2” للطاقة الشمسية الكهروضوئية المستقلة، بقدرة إنتاجية تبلغ 2000 ميغاواط، والتي يُتوقع أن توفر الكهرباء لنحو 132,000 منزل، وتقلل ما يقارب 1.5 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويًا، كما تشارك الشركة في تنفيذ مشاريع طموحة مثل “حضن”، و”المويه”، و”الخشيبي”، والتي تهدف مجتمعة إلى توليد قدرة تصل إلى 5.5 غيغاواط من الطاقة الشمسية ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، بإشراف وزارة الطاقة، حيث تتولى شنايدر إلكتريك مسؤولية تزويد معظم نطاقات الجهد المتوسط والمنخفض في هذه المشاريع.
كما تتعاون شنايدر إلكتريك مع شركة أرامكو السعودية في تنفيذ مشروع التحليل التنبؤي للأصول، الذي يهدف إلى رفع كفاءة التشغيل ودقة اتخاذ القرار عبر الاستفادة من حلول “أفيفا” المتقدمة في تحليل البيانات الصناعية، بالإضافة إلى مشاركتنا في مشروع الدرعية وغيره من المشروعات العملاقة في المملكة.
هدف شنايدر إلكتريك الدائم بأن تكون الشريك الموثوق لعملائها في المملكة خلال رحلتهم نحو تحقيق الاستدامة والرقمنة، عبر تقديم استراتيجيات فعّالة وتسريع عملية التحول الرقمي حتى مرحلة التنفيذ الفعلي على أرض الواقع.
كيف تقيم دور الذكاء الاصطناعي وتأثيره على مختلف القطاعات في ظل هذا التحول؟
الذكاء الاصطناعي أصبح الآن محركًا أساسيًا لإعادة تشكيل مستقبل القطاعات الاقتصادية والخدمية على مستوى العالم، لذا تولي المملكة العربية السعودية أهمية كبرى لهذا التحول ضمن رؤيتها 2030، حيث تسعى إلى أن تكون مركزًا عالميًا للبيانات والذكاء الاصطناعي. وبالفعل بدأ تأثير الذكاء الاصطناعي يبرز في قطاعات حيوية مثل الطاقة، البنية التحتية، مراكز البيانات، الصناعة، النقل، والرعاية الصحية، المؤسسات الرياضية والترفيهية، والمواقع التراثية، وغيرها، وذلك من خلال تحسين الكفاءة، وتسهيل اتخاذ القرار، وخفض التكاليف التشغيلية.
هذا التسارع الكبير في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي ضمن مشاريع المدن الذكية، والطاقة المتجددة، ومراكز البيانات، مهد الطريق للملكة للاستحواذ حاليًا على 86% من إجمالي سعة مراكز البيانات في الشرق الأوسط، ومن المتوقع أن تنمو هذه السعة بنسبة 37% بحلول عام 2027، ما يعزز من أهمية بناء مراكز بيانات مستدامة تواكب هذا التوسع.
وفي شنايدر إلكتريك، نركز على تسخير إمكانيات وتقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل بيانات الطاقة في الوقت الفعلي، والتنبؤ بالاستهلاك، وتحسين أداء الشبكات والمنشآت، مما يقلل من الفاقد والانبعاثات الكربونية، كما أنه من خلال منصتنا الرقمية EcoStruxure، نتيح للحكومات والشركات اتخاذ قرارات ذكية وسريعة مبنية على بيانات دقيقة. ومع توسع تطبيقات الذكاء الاصطناعي، نركز على حلول لمراكز بيانات منخفضة الانبعاثات تعتمد على التبريد الذكي والتصميمات المستدامة، ما ينسجم مع مستهدفات السعودية في التحول الرقمي المسؤول. ولدينا بالفعل تعاون قائم مع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وشركات رائدة مثل دلب، إدارات للاتصالات وتقنية المعلومات، وموبايلي وغيرها.
حدثنا عن قمة شنايدر إلكتريك للابتكار المقرر عقدها يومي 24 و25 سبتمبر في الرياض كيف يمكن لها أن تسهم في نمو عمليات الشركة في المملكة؟
تنطلق فعاليات النسخة الثانية من قمة شنايدر إلكتريك للابتكار في العاصمة الرياض يومي 24 و25 سبتمبر 2025، لتصبح الحدث الأضخم من نوعه في المملكة العربية السعودية الذي تنظمه الشركة، بمشاركة ممثلين عن الوزارات وكبار مسؤولي الشركات والمؤسسات، إضافة إلى شركاء وعملاء الشركة من داخل المملكة ومن مختلف أنحاء المنطقة.
القمة تمثل منصة استراتيجية لتسريع التحول الرقمي والاستدامة، وتعزيز مكانة المملكة كمركز إقليمي رائد للابتكار. وستتيح الفرصة لاستكشاف فرص التعاون، وتبادل الخبرات، وتحفيز الابتكار المحلي، ومناقشة قضايا محورية مثل مستقبل الطاقة، مراكز البيانات، المدن الذكية، والذكاء الاصطناعي، بما يواكب رؤية 2030 وأهداف الحياد الصفري.