وسط أجواء النماص القديمة، حيث تتجاور القصور الطينية وتنبض الجدران بحكايات الأجداد، تواصل ورشة تقليدية صغيرة بعث الحياة في حرفة عريقة امتدت عبر تاريخ عسير؛ إنها صناعة الأسلحة التراثية، وفي مقدمتها “المقمع” و”أبو فتيل”، اللذان كانا رفيقَي الإنسان في مواقف الدفاع والمناسبات الاجتماعية.
وتبدأ صناعة “المقمع” التراثي بتحضير المواد الأساسية مثل الخشب لتشكيل الهيكل، وأنبوبة الحديد، وقطعة “الصفحة” التي تحفظ البارود، بالإضافة إلى “الضراب” المستخدم في دكّ البارود داخل السلاح بعد تركيب الأجزاء الحديدية وإجراء اختبارات الجودة، يُنقل السلاح إلى مرحلة الزخرفة، حيث يُطعّم بالنحاس أو الفضة ويُزيّن بزخارف فنية تجعله أشبه بعمل فني تراثي.
ويواصل الحرفي فهد بن علي الشهري ممارسة صناعة الأسلحة التراثية في ورشته المتخصصة، محافظًا على إرث عائلي بدأه والده عام 1397هـ في النماص بافتتاحه محلًّا لصيانة “المقاميع”، بمعدات ومكائن حديثة في وقتها، وكان من أوائل من أدخل هذا المجال إلى المنطقة الجنوبية، وقدّم فهد الشهري بروح التطوير أشكالًا جديدة من “المقمع” تتميز بالخفة والصغر، تلائم اهتمام الشباب بالتراث وتعبّر عن فخرهم بهويتهم الأصيلة. وفق “أخبار 24”.
وتتميز الأسلحة التراثية مثل “المقمع” بزينة فريدة تضيف إليها طابعًا جماليًا وقيمة عالية، حيث كانت تُزيّن قديمًا بخيوط من شعر الحيوانات مثل “الوبر”، ثم تطوّرت لتُطعّم بالنحاس والفضة والنقوش الخشبية، ما أدى إلى تفاوت أسعارها التي قد تتجاوز 50 ألف ريال بحسب الزخرفة والمعدن المستخدم.
ويُكتمل حضور “المقمع” في المناسبات بارتداء “الزهاب”، وهو حزام جلدي يُرتدى بشكل متقاطع على الكتف، ومزود بفصوص معدنية ومخازن للبارود تُستخدم لإشعال السلاح خلال الاحتفالات، مما يضفي عليه رمزية فلكلورية وتراثية خاصة.
ويعتمد “المقمع” هو سلاح تراثي قصير على البارود الأسود المدكوك، ويتكوّن من أجزاء رئيسية تشمل الأسطوانة “الماسورة”، ويضغط البارود بالمدك، ويشعل الفتيل، ويوضع البارود في العين، ويضغط على الزناد لإطلاق الشرارة حيث يُشعل باستخدام فتيل نباتي مأخوذ من شجر “الأثب”، ويُعبّأ البارود عبر الفوهة، ثم يُضغط بواسطة قطعة قماش وسيخ حاد لتجهيزه للانفجار، مما يعكس دقة الحرفة وأصالتها.
وإلى جانب صناعة الأسلحة التراثية، تستمر حرفة صناعة البارود التقليدي في النماص، حيث يُحضَّر من ثلاثة مكونات طبيعية هي الملح المستخرج من تربة خاصة، والكبريت، والفحم الناتج من حرق أعواد الأشجار حيث تُخلط هذه المواد بدقة وتجفف لتُستخدم في الأسلحة، وأيضًا لتكسير الصخور وحفر الآبار في الماضي.
ويشير الباحث د.صالح أبو عراد في كتابه تنومة إلى أهمية “المقمع” كأداة تراثية كانت جزءًا أساسيًا من حياة المجتمع في عسير، ولا يزال يُستخدم في الاحتفالات والمناسبات الوطنية والشعبية ويظل “المقمع” رمزًا للهوية التراثية، حيث يجمع بين قوة الصوت وجمالية الفن، ويعكس روح الفخر التي تسكن أبناء المنطقة.